فصل: السنة الرابعة والعشرون من خلافة المستنصر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


 السنة الرابعة والعشرون من خلافة المستنصر

وهي سنة إحدى وخمسين وأربعمائة‏.‏

فيها انصرف أبو الأغر دبيس بن مزيد عن بغداد على غضب من البساسيري‏.‏

وفيها كان بمكة رخص لم يعهد مثله حتى بلغ البر والتمر مائتي رطل بدينار‏.‏

وفيها قتل أبو الحارث أرسلان التركي المعروف بالبساسيري صاحب الدعوة للمستنصر ببغداد كان يلقب بالمظفر‏.‏

وكان في مبدأ أمره فقدما على الأتراك خصيصًا عند القائم بأمر الله العباسي لا يقطع القائم أمرًا دونه‏.‏

فتجبر وطغى فجفاه القائم واستنصر عليه بالسلطان طغرلبك السلجوقي حتى خرج من بغداد على غضب‏.‏

وصار يسعى في زوال الخلافة عن القائم ولا زال يدبر عليه حتى فعل تلك الأمور ودخل بغداد وقاتل الخليفة القائم وقطع خطبته وخطب للمستنصر صاحب الترجمة وقتل الوزير رئيس الرؤساء المقدم ذكره - وقد ذكرنا ذلك كله في أول ترجمة المستنصر هذا - وملك بغداد ودام بها حتى ظفره السلطان طغرلبك السلجوقي وقتله شر قتلة‏.‏

وأعاد الخليفة القائم بأمر الله من حديثة عانة إلى بغداد وأعيدت الخطبة باسمه وأبطل طغرلبك اسم المستنصر هذا من بغداد والعراق ومهد أمورها أعني العراق حتى عادت كما كانت عليه وكان قتله في آخر السنة‏.‏

وفيها توفي الحسن بن أبي الفضل الإمام أبو علي الشرمقاني - والشرمقان‏:‏ قرية من قرى نيسابور - كان إمامًا فاضلا حافظًا للقرآن ووجوه القراءات زاهدًا عابدًا ورعًا سليم الصدر‏.‏

وكان لا يقبل من أحد ويقنع بورق الخس‏.‏

فاتفق أن ابن العلاف خرج يومًا متوجهًا على دجلة فرأى الشرمقاني هذا يأخذ ما يرمي به أصحاب الخس فيأكله فشق عليه ذلك فحكى أمره للوزير رئيس الرؤساء فقال‏:‏ نبعث له شيئًا فقال‏:‏ لا يقبل‏.‏

فقال الوزير‏:‏ تحيل فيه‏.‏

فقال لغلام له‏:‏ اذهب إلى مسجد الشرمقاني واعمل لغلقه مفتاحًا من حيث لا يشعر ففعل‏.‏

فقال‏:‏ احمل له في كل يوم ثلاثة أرطال خبز ودجاجة مشوية وقطعة حلوى سكر‏.‏

فكان الغلام يرصده فإذا خرج من المسجد فتح الباب وترك ذلك في خلوته وخرج فيقول الشرمقاني‏:‏ المفتاح معي من أين ذلك‏!‏ وما هو إلا من الجنة‏!‏ وسكت ولم يخبر أحدًا خوفًا من أن ينقطع فأخصب جسمه وسمن فقال له ابن العلاف‏:‏ قد سمنت فإيش تأكل فأنشد الشرمقاني يقول‏:‏ البسيط‏.‏

من أطلعوه على سر فباح به لم يأمنوه على الأسرار ما عاشا وأخذ يوري ولم يصرخ بما يقع له فقال‏:‏ هذا كرامة‏.‏

فقال له بعضهم‏:‏ ينبغي أن تدعو للوزير ففهم وانكسر قلبه وامتنع من أكل ذلك‏.‏

وتوفي بعد ذلك بمدة يسيرة‏.‏

وفيها توفي سعيد بن محمد بن أحمد الشيخ أبو عثمان النجيرمي النيسابوري العدل‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ثلاث أذرع واثنتا عشرة إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعًا وثلاث وعشرون إصبعًا‏.‏

السنة الخامسة والعشرون من خلافة المستنصر وهي سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة‏.‏

فيها في صفر دخل عطية صاحب بالس إلى الرحبة وحصرها وافتتحها‏.‏

فلما دخلها أحسن معاملة أهلها وخطب بها للمستنصر هذا صاحب الترجمة بعد أن كانوا خطبوا فيها بأمر السلطان طغرلبك السلجوقي للقائم بأمر الله العباسي‏.‏

وفيها دخل السلطان طغرلبك بغداد وفي خدمته أبو كاليجار من ملوك بني بويه واسمه هزارسب والأمير أبو الأغر بن مزيد والأمير أبو الفتح بن ورام وصدقة بن منصور بن الحسين ونزل بدار الملك ببغداد‏.‏

وانقرضت دولة بني وفيها توفي أحمد بن عبد الله بن فضالة أبو الفتح الموازيني الحلبي الشاعر‏.‏

كان يعرف بالماهر‏.‏

سكن دمشق وبها توفي‏.‏

ومن شعره‏:‏ الكامل‏.‏

يا من توقد في الحشا بصدوده نار بغير وصاله لا تنطفي وظننت جسمي أن سيخفى بالضنا عن عاذلي فقد ضنيت وما خفي وفيها توفيت الترنجان زوجة السلطان طغرلبك السلجوقي وأم أنوشروان التي تزوجها خوارزم شاه كانت أم ولد وفيها دين وافر ومعروف ظاهر وصدقات كثيرة وكانت صاحبة رأي وتدبير وحزم وعزم وكان زوجها السلطان طغرلبك سامعًا لها ومطيعًا والأمور مردودة إلى عقلها وكانت تسير بالعساكر وتنجده وتقاتل أعداءه‏.‏

وفيها توفيت أم الخليفة القائم بأمر الله العباسي وهي أرمينية أم ولد‏.‏

تسمى قطر الندى - وقيل بدر الدجى وقيل علم - وهي التي حبسها البساسيري لما ملك بغداد‏.‏

وكانت وفاتها في شهر رجب ببغداد وصلى عليها ابنها الخليفة القائم بأمر الله‏.‏

وقد جاوزت التسعين سنة من العمر‏.‏

وفيها توفي الحسن بن أبي الفضل الأمير أبو محمد النسوي صاحب شرطة بغداد الذي اصطلح أهل السنة والرافضة خوفًا منه فيما تقدم ذكره‏.‏

وكان صارمًا فاتكًا ظالمًا يقتل الناس ويأخذ أموالهم‏.‏

وشهد عليه الشهود عند القاضي أبي الطيب فحكم بقتله فصالح بمال فسلم وعزل من الشرطة ثم أعيد فاتفقت أهل السنة والرافضة عليه فقتلوه‏.‏

وفيها وقع الطاعون بالحجاز واليمن وخربت قرى كثيرة وصار من يدخلها هلك من ساعته‏.‏

وفيها توفي محمد بن عبيد الله بن أحمد أبو الفضل المالكي المعروف بابن عمروس انتهت إليه رياسة المالكية ببغداد في زمانه وكان من القراء المجودين ثقة دينًا أخرج له الخطيب حديثًا عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ من عير أخاه بذنب لم يمت حتى يفعله ‏"‏‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع واثنتان وعشرون إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وتسع أصابع‏.‏

السنة السادسة والعشرون من خلافة المستنصر وهي سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة‏.‏

فيها توفي الأمير أحمد بن مروان بن دوستك نصر الدولة الكردي صاحب ميافارقين وديار بكر ملك البلاد بعد أن قتل أخوه أبو سعيد منصور‏.‏

وكان نصر الدولة هذا عالي الهمة قوي الحرمة مقبلا على اللذات عادلا في الرعية‏.‏

قيل‏:‏ لم تفته صلاة الصبح مع الجماعة مع انهماكه في اللهو‏.‏

وكان له ثلاثمائة وستون جارية يخلو كل ليلة بواحدة على عدد أيام السنة‏.‏

وخلف عدة أولاد‏.‏

وقد وزر له أبو القاسم الحسين بن علي المغربي صاحب الرسائل وكان أولا وزير صاحب مصر فقدم عليه فوزر له مرتين‏.‏

ومات نصر الدولة في شوال بظاهر ميافارقين وله سبع وسبعون سنة‏.‏

وكانت سلطنته إحدى وخمسين سنة‏.‏

وملك بعده ولده نظام الدين أبو القاسم نصر بن أحمد‏.‏

وفيها توفي علي بن رضوان بن علي بن جعفر أبو الحسن المصري صاحب المصنفات‏.‏

كان من كبار الفلاسفة في الإسلام وكان له دار بمدينة مصر على قصر الشمعة تعرف بدار ابن رضوان‏.‏

وقد تهدمت الآن‏.‏

كان إمامًا في الطب والحكمة كثير الرد على أرباب فنه‏.‏

وكان فيه سعة خلق عند بحثه وله مصنفات كثيرة‏.‏

وفيها توفي علي بن يحيى بن محمد أبو محمد وأبو القاسم السلمي الدمشقي المعروف بالسميساطي واقف خانقاه دمشق وغيرها‏.‏

سمع الحديث وكان مقدمًا في علم الهندسة والهيئة وروى عنه أبو بكر الخطيب وغيره‏.‏

الماء القديم ثلاث أذرع وأربع عشرة إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وثماني عشرة إصبعًا‏.‏

السنة السابعة والعشرون من خلافة المستنصر وهي سنة أربع وخمسين وأربعمائة‏.‏

فيها قبض المستنصر على وزيره أبي الفرج بن المغربي واستوزر أبا الفرج البابلي ثم رد ابن المغربي إلى كتابة الجيش وهي كانت رتبته قبل الوزارة ولم يكن قبله وزير يعزل فيعود إلى قديم تصرفه‏.‏

وفيها كانت وقعة بين أبي المكارم مسلم بن قريش بن بدران وبين عمه مقبل ابن بدران‏.‏

وكان مقبل قد طلب الأمر لنفسه واجتمع إليه خلق من الأكراد وغيرهم والتقيا على الخابور فانهزم مسلم وملك مقبل الجزيرة‏.‏

فبذل مسلم المال وجمع وعاد إلى عمه مقبل فهزمه‏.‏

ثم اتفقا واجتمعا واصطلحا على أمر مشى بينهما‏.‏

وفيها توفي الحسن بن علي بن محمد بن الحسن أبو محمد الجوهري ثم الشيرازي ثم البغدادي مسند العراق في عصره‏.‏

ولد في شعبان سنة ثلاث وستين وثلاثمائة وسمع الكثير وتفرد بأشياء عوال‏.‏

وكان يعرف بالمقنعي لأنه كان يتطيلس ويلتف بها تحت حنكه‏.‏

ومات في ذي القعدة وكان له شعر‏.‏

فمن ذلك قوله‏:‏ السريع‏.‏

يا موت ما أجفاك من زائر تنزل بالمرء على رغمه وتأخذ العذراء من خمرها وتسلب الواحد من أمه وفيها توفي عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن بن بندار أبو الفضل العجلي الرازي المقرئ الإمام الزاهد‏.‏

أصله من الري وولد بمكة وكان يتنقل من بلد إلى بلد‏.‏

وكان مقرئًا جليل القدر كثير التصانيف حسن السيرة زاهدًا متعبدًا‏.‏

وفيها توفي المعز بن باديس بن منصور بن بلكين الحميري الصنهاجي سلطان إفريقية وما والاها من الغرب‏.‏

كان الحاكم صاحب مصر قد لقبه شرف الدولة وأرسل إليه خلعة في سنة سبع وأربعمائة وعاش المعز إلى هذا الوقت‏.‏

وكان ملكًا رئيسًا جليلا عالي الهمة وهو الذي حسم مادة الخلاف ببلاد الغرب‏.‏

وكان مذهب أبي حنيفة ظاهرًا بإفريقية فحمل أهل مملكته بالاشتغال بمذهب مالك وترك ما دونه من المذاهب‏.‏

وكان المعز شيخًا جوادًا ممدحًا‏.‏

وهو الذي خلع طاعة خلفاء مصر من بني عبيد وأبطل دعوتهم من الغرب وخطب للقائم بأمر الله العباسي فكتب إليه المستنصر هذا يتهدده فما التفت إلى ذلك‏.‏

ثم وقع بين عساكره وعساكر وفيها توفي سبكتكين ابن عبد الله التركي أبو منصور ولقب بتمام الدولة‏.‏

تولى إمارة دمشق من قبل المستنصر صاحب الترجمة ومات بها في شهر ربيع الأول‏.‏

وكان صالحًا عفيفًا سمع الحديث ورواه‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وست أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا سواء‏.‏

السنة الثامنة والعشرون من خلافة المستنصر وهي سنة خمس وخمسين وأربعمائة‏.‏

فيها دخل الصليحي إلى مكة واستعمل الجميل مع أهلها وأظهر العدل والإحسان وطابت قلوب الناس له ورخصت الأسعار وكان شابًا أشقر اللحية أزرق العينين وليس كان باليمن أشقر أزرق غيره‏.‏

وكان متواضعًا إذا اجتاز بقوم سلم عليهم بيده وكسا البيت الحرام بثياب بيض ورد بني شيبة عن قبيح أفعالهم‏.‏

وفيها كانت واقعة بين قاورد بك بن داود وبين فضلويه الشونكاري على فرسخين من شيراز فانهزم فضلويه وغنم قاورد بك أمواله‏.‏

وكان فضلويه في عشرين ألفًا من الديلم وغيرهم وكان وفيها ثار أهل همذان على العميد فقتلوه مع سبعمائة رجل من أصحاب السلطان وقتلوا أيضًا شحنة البلد‏.‏

وفيها قصد قتلمش الري ومعه خمسون ألفًا من التركمان فدفعه عميد الملك عنها‏.‏

وفيها توفي السلطان طغرلبك‏.‏

واسمه محمد بن ميكائيل بن سلجوق أبو طالب السلجوقي‏.‏

قدم بغداد سنة سبع وأربعين وأربعمائة وخلع عليه الخليفة القائم بأمر الله العباسي وخاطبه بملك المشرق والمغرب‏.‏

قلت‏:‏ وهذا أول ملوك السلجوقية وهو الذي مهد لهم الدولة ورد ملك بني العباس بعد أن كان اضمحل وزالت دعوتهم من العراق وخطب لبني عبيد خلفاء مصر لما استولى أبو الحارث أرسلان البساسيري على بغداد‏.‏

وقد تقدم ذكر ذلك‏.‏

فما زال طغرلبك هذا حتى رد الخليفة القائم بأمر الله من الحديثة إلى بغداد وأعاد الخطبة باسمه وقتل البساسيري‏.‏

وكان شجاعًا مقدامًا حليمًا عصى عليه جماعة فظفر بهم وعفا عنهم‏.‏

وهو الذي أزال ملك بني بويه من العراق وغيره‏.‏

وكانت وفاته بالري في يوم الجمعة ثامن شهر رمضان من هذه السنة‏.‏

وكانت مدة ملكه خمسًا وعشرين سنة وقيل ثلاثون سنة‏.‏

ومات وعمره سبعون سنة - وقيل جاوز الثمانين - والأول أشهر‏.‏

وطغرلبك بضم الطاء المهملة وكسر الراء المهملة وسكون اللام وفتح الباء ثانية الحروف وسكون الكاف‏.‏

وفيها توفي مسلم بن إبراهيم أبو الفضل السلمي البزاز ويعرف بابن الشويطرة كان أديبًا فاضلا‏.‏

ومن شعره‏:‏ البسيط‏.‏

ما في زمانك من ترجو مودته ولا صديق إذا خان الزمان وفا فعش فريدًا ولا تركن إلى أحد فقد نصحتك فيما قلته وكفى وفيها توفي منصور بن إسماعيل بن أبي قرة القاضي أبو المظفر الفقيه الهروي الحنفي قاضي هراة وخطيبها ومسندها سمع الكثير وحدث‏.‏

وهو أحد أعيان فقهاء الحنفية في زمانه‏.‏

كان إمامًا حافظًا مفتنًا‏.‏

مات في ذي القعدة عن قريب تسعين سنة‏.‏

وفيها كان الطاعون العظيم بمصر وقراها فمات بمصر في عشرة أشهر كل يوم ألف إنسان‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم سبع أذرع وخمس عشرة إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا واثنتا عشرة إصبعًا‏.‏

السنة التاسعة والعشرون من خلافة المستنصر وهي سنة ست وخمسين وأربعمائة‏.‏

فيها وقعت فتنة عظيمة بين عبيد مصر والترك ووصل ناصر الدولة بن حمدان إلى الإسكندرية والتقى مع العبيد بموضع يعرف بالكرم ففتل من العبيد ألف رجل وهرب من بقي‏.‏

ثم ترددت الرسل في إصلاح ذات البين فتم‏.‏

وقد تقدم شيء من ذلك في ترجمة المستنصر هذا‏.‏

وفيها جرت مراسلة بين قاورد بك ابن أخي طغرلبك السلجوقي وبين أخيه ألب أرسلان وسببه أن ألب أرسلان لما ملك الري واستولى على الأموال كان قاورد بك على أصبهان فرجع إلى كرمان وخطب لألب أرسلان المذكور ولنفسه من بعده فلم يحصل له إنصاف من ألب أرسلان فوقع بسبب ذلك ما وقع‏.‏

وفيها توفي الحسن بن عبد الله بن أحمد أبو الفتح الحلبي الشاعر المعروف بابن أبي حصينة‏.‏

كان فاضلا شجاعًا فصيحًا يخاطب بالأمير‏.‏

وفيها توفي عبد الواحد بن علي بن برهان أبو القاسم النحوي‏.‏

كان إمامًا فاضلا نحويًا وفيه شراسة خلق ولم يلبس سراويل قط ولا غطى رأسه أبدًا‏.‏

ومات ببغداد في جمادى الأولى‏.‏

وفيها توفي علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف بن معدان بن سفيان بن يزيد مولى يزيد بن أبي سفيان بن حرب بن أمية الأموي الفارسي الأصل ثم الأندلسي القرطبي أبو محمد المعروف بابن حزم المحدث صاحب التصانيف المشهورة‏.‏

كان ظاهر في المذهب‏.‏

وقد تكلم فيه كل أحد ما خلا أهل الحديث فإنهم أثبتوا على حفظه‏.‏

كان إمامًا عارفًا بفنون الحديث إلا أنه كان صاحب لسان خبيث ويقع في حق العلماء الأعلام حتى صار مثلا فيقال‏:‏ نعوذ بالله من سيف الحجاج ولسان ابن حزم‏.‏

وكان له شعر جيد‏.‏

فمن ذلك قوله‏:‏ الوافر لئن أصبحت مرتحلا بجسمي فقلبي عندكم أبدًا مقيم ولكن للعيان لطيف معنى له سأل المعاينة الكليم أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع واثنتا عشرة إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وثلاث أصابع‏.‏

السنة الثلاثون من خلافة المستنصر وهي سنة سبع وخمسين وأربعمائة‏.‏

فيها توفي محمد بن منصور أبو نصر عميد الملك الكندري وزير السلطان طغرلبك السلجوقي‏.‏

كان فاضلا مدبرًا حازمًا عاقلا‏.‏

وكان طغرلبك في مبدأ أمره قد بعثه ليخطب له امرأة فتزوجها هو فخصاه طغرلبك ثم أقره على خدمته فاستولى عليه إلى أن مات‏.‏

ووزر بعد موت طغرلبك لابنه ألب أرسلان وهو الذي قتله‏.‏

وولي الوزارة بعده نظام الملك الذي نشر مذهب الإمام الشافعي بالعجم‏.‏

وكان عميد الملك المذكور فاضلا أديبًا شاعرًا‏.‏

ومن شعره لما تحقق قتله وأجاد إلى الغاية‏:‏ البسيط‏.‏

إن كان بالناس ضيق عن مزاحمتي فالموت قد وسع الدنيا على الناس قضيت والشامت المغرور يتبعني إن المنية كأس كلنا حاسي وفيها توفي عبيد الله بن عمر القاضي أبو زيد الدبوسي الحنفي شيخ الحنفية بما وراء النهر‏.‏

كان إمامًا عالمًا فقيهًا نحويًا بارعًا في فنون عفيفًا مشكور السيرة انتهت إليه رياسة مذهب أبي حنيفة في زمانه بما وراء النهر ومات والمعول على فتواه بها‏.‏

وفيها توفي عبد الملك بن محمد بن عبد الله بن بشران أبو القاسم الواعظ الفقيه المحدث في شهر ربيع الآخر‏.‏

وكان له لسان حلو في الوعظ مع دين وزهد وعفة‏.‏

وفيها توفي موسى بن عيسى بن أبي حاج أبو عمران الفقيه المالكي القابسي شيخ المالكية في زمانه‏.‏

كان فقيهًا نحويًا إمامًا فاضلا بارعًا في فنون من العلوم‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وأربع عشرة إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وعشر أصابع‏.‏

وهي سنة ثمان وخمسين وأربعمائة‏.‏

فيها شرع أهل الكرخ في عمل مأتم الحسين في يوم عاشوراء فثار عليهم أهل السنة‏.‏

فقال القائم بأمر الله‏:‏ هذا شيء قد كان فلا تعاودوه ونهى عنه‏.‏

فانكفت الرافضة بغيظهم إلى لعنة الله‏.‏

وفيها توفي أحمد بن الحسين بن علي بن عبد الله الحافظ أبو بكر البيهقي مولده سنة أربع وثمانين‏.‏

كان أوحد زمانه في الحديث والفقه وله تصانيف كثيرة جمع نصوص الإمام الشافعي - رضي الله عنه - في عشرة مجلدات‏.‏

ومات بنيسابور في جمادى الآخرة ونقل تابوته إلى بيهق‏.‏

وقد روينا سننه الكبرى عن الشيخ أبي النعيم رضوان العقبي ثنا التقي بن حاتم أنا علي بن عمر الأرموي أنا ابن البخاري أنا منصور بن عبد المنعم الفراوي أنا محمد بن إسماعيل الفارسي أنا أبو بكر البيهقي‏.‏

وفيها توفي محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن أحمد بن الفراء أبو يعلى القاضي الحنبلي‏.‏

ولد سنة ثمانين وثلاثمائة في المحرم وسمع الكثير وتفقه على جماعة من العلماء وانتهت إليه رياسة الحنابلة في زمانه ومات يوم الاثنين العشرين من شهر رمضان وكانت جنازته مشهورة مشى فيها الأعيان مثل القاضي الدامغاني الحنفي ونقيب الهاشميين أبي الفوارس طراد وفيها توفي محمد بن الفضل بن نظيف أبو عبد الله المصري الفراء في شهر ربيع الآخر وله تسعون سنة وكان إمامًا عالمًا زاهدًا ورعًا‏.‏

وفيها توفي المسدد بن علي أبو المعمر الأملوكي الإمام المحدث البارع خطيب حمص‏.‏

كان إمامًا فقيهًا فصيحًا سمع الحديث ورواه‏.‏

أمر النيل في هده السنة‏:‏ الماء القديم ثلاث أذرع وأربع وعشرون إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وسبع عشرة إصبعًا‏.‏

السنة الثانية والثلاثون من خلافة المستنصر وهي سنة تسع وخمسين وأربعمائة‏.‏

فيها بعث المستنصر صاحب الترجمة إلى محمود بن الروقلية المتغلب على حلب يطالبه بحمل المال وغزو الروم وصرف ابن خاقان ومن معه من الغز إن كان على طاعته‏.‏

فأجاب بأنني التزمت على أخذ حلب من عمي أموالا اقترضتها وأنا مطالب بها وليس في يدي ما أقضيها فضلا عما أصرفه لغيره‏.‏

وأما الروم فقد هادنتهم مدة وأعطيتهم ولدي رهينة على مال اقترضته منهم فلا سبيل إلى محاربتهم‏.‏

وأما ابن خاقان والغز معه فيدهم فوق يدي‏.‏

فلما وصل الجواب إلى المستنصر كتب المستنصر أيضًا إلى بدر الجمالي أمير الجيوش المقيم بدمشق‏:‏ إن ابن الروقلية خلع الطاعة ومال إلى جهة العراقية‏.‏

ثم ندب بدر الجمالي المذكور عطية وهو بالرحبة لقتاله فدخل القاضي ابن عمار المقيم بطرابلس بينهم وأصلح الحال‏.‏

وفيها كان بمصر الغلاء والقحط المتواتر الذي خرج عن الحد - وقد تقدم ذكره - ولا زال في زيادة في هذه السنة والتي قبلها إلى أن أخذ أمره في نقص في سنة إحدى وستين وأربعمائة‏.‏

وأبيع القمح في هذه السنة بثمانين دينارًا الإردب‏.‏

وفيها توفي سعيد بن محمد بن الحسن أبو القاسم إمام جامع صور‏.‏

كان فاضلا سمع الحديث ورواه ومن رواياته عن الحسن البصري أنه قال‏:‏ لا تشتروا مودة ألف رجل بعداوة رجل واحد‏.‏

وفيها توفي علي بن الخضر أبو الحسن العثماني الدمشقي الحاسب‏.‏

كان له تصانيف في علم الحساب‏.‏

ومات بدمشق في شوال‏.‏

وفيها كان بالرملة الزلزلة الهائلة التي أخربتها حتى طلع الماء من رؤوس الآبار وهلك من أهلها - كما نقل ابن الأثير - خمسة وعشرون ألفًا‏.‏

وقال ابن الصابئ‏:‏ حدثني علوي كان بالحجاز‏:‏ أن الزلزلة كانت عندهم في الوقت المذكور وهو يوم الثلاثاء حادي عشر جمادى الأولى فرمت شرفتين من مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وانشقت الأرض فبان فيها كنوز ذهب وفضة وانفجرت فيها عين ماء وأنها أهلكت أيلة ومن فيها وذكر أشياء كثيرة من هذه المقولة‏.‏

وأما ابن الأثير فإنه قال‏:‏ وانشقت صخرة بيت المقدس وعادت بإذن الله وأبعد البحر عن ساحله مسيرة يوم فنزل الناس إلى أرضه يلتقطون السمك فرجع الماء عليهم فأهلكهم‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ست أذرع وعشرون إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وسبع عشرة إصبعًا‏.‏

السنة الثالثة والثلاثون من خلافة المستنصر وهي سنة ستين وأربعمائة‏.‏

فيها ولى المستنصر دمشق للأمير بارزطغان قطب الدولة ووصل معه الشريف أبو طاهر حيدرة ونزل بدار العقيقي وانهزم بدر الجمالي أمير الجيوش من دمشق فنهب أهلها خزائنه لأنه كان مسيئًا إليهم ثم ظفر بدر الجمالي بالشريف حيدرة بعد أمور صدرت وسلخه‏.‏

وفيها جاء ناصر الدولة بالأتراك إلى باب المستنصر بالقاهرة - وقيل‏:‏ بالساحل - وزحف المذكورون إلى باب وزيره ابن كدينة‏:‏ فطالبوه بالمال فقال‏:‏ وأي مال بقي عندي بعد أخذكم الأموال واقتسامكم الإقطاعات‏!‏ فقالوا‏:‏ لا بد أن تكتب إلى المستنصر‏.‏

فكتب إليه بما جرى‏.‏

فكتب المستنصر الجواب على الرقعة بخطه يقول‏:‏ السريع‏.‏

أصبحت لا أرجو ولا أتقي إلا إلهي وله الفضل جدي نبيي وإمامي أبي وقولي التوحيد والعدل المال مال الله والعبد عبد الله والإعطاء خير من المنع ‏"‏ وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ‏"‏‏.‏

وفيها توفي أحمد بن محمد بن عقيل الشهرزوري الشاعر الفاضل في القدس الشريف‏.‏

وكان إمامًا فاضلا أديبًا شاعرًا‏.‏

ومن شعره‏:‏ البسيط‏.‏

واحسرتا مات حظي من قلوبكم وللحظوظ كما للناس آجال وفيها توفي الحسن بن أبي طاهر بن الحسن أبو علي الختلي‏.‏

كان يسكن دمشق وبها توفي‏.‏

ومن رواياته عن الحسن عن الحسن عن الحسن عن الحسن عن النبي‏.‏

صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ إن أحسن الحسن الخلق الحسن ‏"‏ فالحسن الأول ابن حسان التميمي والثاني ابن دينار والثالث البصري والرابع ابن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما‏.‏

وفيها توفيت خديجة بنت محمد بن علي بن عبد الله الواعظة الشاهجانية‏.‏

كانت عظيمة مشهورة بالصدق والورع والزهد والدين المتين‏.‏

ولدت سنة ست وسبعين وثلاثمائة‏.‏

وكانت تسكن قطيعة الربيع‏.‏

وصحبت ابن سمعون الواعظ‏.‏

ولما ماتت دفنت إلى جانبه‏.‏

وفيها توفي عبد الملك بن محمد بن يوسف أبو منصور البغدادي كان إمامًا بارعًا‏.‏

لم يكن في زمانه من يخاطب بالشيخ الأجل سواه‏.‏

ولد سنة خمس وتسعين وثلاثمائة وكان أوحد زمانه في فعل المعروف والقيام بأمور العلماء وقمع أهل البدع‏.‏

وفيها توفي أبو جعفر الطوسي فقيه الإمامية الرافضة وعالمهم‏.‏

وهو صاحب التفسير الكبير وهو عشرون مجلدًا وله تصانيف أخر‏.‏

مات بمشهد علي - رضي الله عنه - وكان مجاورًا بضريحه‏.‏

كان رافضيًا قوي التشيع‏.‏

وفيها توفي أحمد بن محمد بن عيسى بن هلال أبو عمر القرطبي المعروف بابن القطان المالكي المغربي شيخ المالكية في زمانه وعالمهم‏.‏

مات في هذه السنة وله سبعون سنة‏.‏

وفيها توفي أحمد بن الفضل أبو بكر الباطرقاني المقرئ في صفر وله ثمان وثمانون سنة‏.‏

كان إمامًا عالمًا بالقراءات رحمه الله‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ السنة الرابعة والثلاثون من خلافة المستنصر وهي سنة إحدى وستين وأربعمائة‏.‏

فيها خرج ناصر الدولة بن حمدان من عند الوزير أبي عبد الله الماشلي وزير المستنصر بمصر فوثب عليه رجل صيرفي وضربه بسكين فأمسك الصيرفي وشنق في الحال وحمل ناصر الدولة بن حمدان إلى داره جريحًا فعولج فبرئ بعد مدة‏.‏

وقيل‏:‏ إن المستنصر ووالدته كانا دسا الصيرفي عليه‏.‏

وفي هذه الأيام اضمحل أمر المستنصر بالديار المصرية لتشاغله باللهو والشرب والطرب‏.‏

فلما عوفي ابن حمدان اتفق مع مقدمي المشارقة مثل سنان الدولة وسلطان الجيوش وغيرهما فركبوا وحصروا القاهرة‏.‏

فاستنجد المستنصر وأمه بأهل مصر وأذكرهم حقوقه عليهم ووعدهم بالإحسان فقاموا معه ونهبوا دور أصحاب ابن حمدان وقاتلوهم‏.‏

فخاف ابن حمدان وأصحابه ودخلوا تحت طاعة المستنصر بعد أمور كثيرة صدرت بين الفريقين‏.‏

وفيها أبيع القمح بمصر بمائة دينار الإردب ثم عدم وجوده‏.‏

وقد ذكرنا ذلك كله في أول ترجمة المستنصر مفصلا‏.‏

وفيها توفي عبد الرحيم بن أحمد بن نصر الحافظ أبو زكريا البخاري التميمي سمع الحديث وطاف البلاد في طلب الحديث وسمع بعدة أقطار واتفقوا على صدقه وثقته‏.‏

وكانت وفاته في المحرم بمصر‏.‏

وفيها توفي محمد بن مكي بن عثمان الحافظ أبو الحسين الأزدي المصري في جمادى الأولى وكان إمامًا فاضلا محدثًا سمع الحديث ورحل البلاد‏.‏

وفيها توفي نصر بن عبد العزيز أبو الحسين الشيرازي الفارسي المقرئ كان إمامًا في علم القراءات وله سماع ورواية‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ست أذرع وأربع وعشرون إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وثماني عشرة إصبعًا‏.‏